:أهم الأخبارمقالات

التدريب التراكمي

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

    لا أتحدث هنا عن نظرية افتراضية أو عن أمر تنظيري بعيد المنال أو غير قابل للتطبيق ، إنما أتحدث عن أمر جعلناه واقعا ، وشرعنا في تطبيقه عمليًا ، فأخذ يؤتي ثماره واضحة جلية سواء في مستوى الأداء أم في تحفيز الهمم ، وحول جانبًا كبيرًا من واقع الأحلام والأماني إلى مواقع التحقيق والتنفيذ ، إنها عملية التدريب النوعي والتراكمي المستمر ، ذلك أن بعض الخريجين بل كثير منهم ربما يظن أنه بمجرد حصوله على الشهادة قد قطع كل الطريق أو معظمه ، وبمجرد التحاقه بالوظيفة يظن أنه قد وصل في الطريق إلى منتهاه ، فيغلق دفاتر العلم وأدوات التحصيل إلا من رحم ربي .

       غير أن علينا أن نعلم أن العلم لا يقف عند حد ، بل إنه قد صار في عالمنا المعاصر أكثر تسارعًا وتطورًا ونموًا بحيث صار أكثر الناس علما وثقافة بحاجة ماسة إلى بذل المزيد من الجهد لمتابعة المستجدات ومواكبة التطورات ، يستوي في ذلك من يعمل في مجال الطب ، أو في مجال الهندسة ، أو في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، وهكذا في سائر المجالات .

      وفيما يخص مجال الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ) فإن الإنسان لا يمكن أن يكون واعظا أو مفتيًا حقيقيًّا ما لم يكن عالمًا بأدوات العصر وقضاياه ومستجداته ، ذلك أن أهل العلم على أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان أو الحال أو بهم جميعًا ، فما كان راجحًا في عصر أو زمان أو مكان قد يصير مرجوحًا إذا تغيرت ظروف الزمان أو المكان أو حال المستفتي ، وبالطبع قد يصير ما كان مرجوحًا راجحًا ، طالما أن من يقوم بعملية الإفتاء والترجيح أهل للاجتهاد والنظر ويبني فتواه على الدليل الشرعي المعتبر ، وبما أن الحكم على الشئ فرع عن تصوره ، فما لم يكن العالم أو المفتي أو الخطيب متابعًا للمستجدات ملمًا بالمصطلحات فإنه قد يسقط الفتوى على غير محلها ، ذلك أن المفتي أو العالم ينبغي أن يكون ملمًا بالأحكام الشرعية وبالواقع معًا ، ولديه الملكة التي تمكنه من إنزال الفتوى على محلها لا على غير محلها ، واعيًا ما يحيط بهذا المحل من ملابسات ومستجدات وضرورات وظروف عصرية.

       ومن ثمة كان لا بد من التدريب النوعي ، التراكمي ، المستمر ، وهو ما جعلنا نضع عددًا من البرامج والمسابقات ، ابتداءً من مسابقة وبرنامج إمام المسجد الجامع ، فالإمام المتميز ، وانتهاء بمسابقة وبرنامج الإمام المجدد ، وقد راعينا في برامج الإمام المجدد أن تكون متنوعة وعصرية بحيث تؤدي إلى تكوين الإمام المستنير الذي نسعى إلى أن يملأ الأرض علمًا وفقهًا وفهمًا ووعيًا وثقافة وتسامحًا ، بحيث يدرس : علوم الفقه ، وما يتعلق به من معاملات ، ومواريث ، وفقه الأسرة والأحوال الشخصية من زواج وطلاق وخلع وغير ذلك ، إضافة إلى القضايا الفقهية المعاصرة كالمعاملات المالية ، من نحو قضايا : التأمين , والصكوك , والأسهم , والسندات , والبورصات ونحو ذلك , والقضايا الطبية كالاستنساخ , والموت الإكلينيكي , ونقل وزراعة الأعضاء , ونحو ذلك ، وكذلك علم أصول الفقه وقواعده الكلية وتطبيقاتهما المعاصرة .

       كما يدرس علوم القرآن الكريم ، وعلوم الحديث ، والسيرة النبوية ، والتاريخ والحضارة الإنسانية ، واللغة العربية وقواعدها وأساليبها ، وعلوم النفس والاجتماع والجمال ، وكذلك علوم الاقتصاد والعلوم السياسية ، إضافة إلى المدارس الفكرية قديمًا وحديثًا ، وحوار الحضارات ، ونشر ثقافة السلام والتعايش السلمي بين البشر ، وتنمية الموارد البشرية ، وآليات التواصل الاجتماعي والإعلامي ، ومفاهيم الأمن القومي , والانتماء الوطني , والتحديات المعاصرة , وآليات المواجهة.

      كما يدرس أيضًا اللغة الأجنبية بالمستويين الأول والثاني ، إضافة إلى التدريب الميداني والإعلامي والتواصل المؤسسي وبرامج التخطيط وإدارة الوقت ، وبروتوكولات التعامل مع كبار المسئولين ، من خلال التعاون مع الجهات والمؤسسات المتخصصة في التدريب على هذه البرامج كل فيما يخصه.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى