:أهم الأخبارمقالات

الإيمان والمؤمنون

الإيمان كما عرفه حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في حديث جبريل (عليه السلام) ، عندما سأل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الإيمان ، فأجابه (صلى الله عليه وسلم) بقوله : ” أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ “.
والإيمان بالله (عز وجل) يقتضي أن تؤمن بأنه واحد أحد ” لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ” ، وأنه هو الخالق القابض الباسط المعز المذل ، ” إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ” .
وأن تدرك إدراكا لا يخالجه أي شك بأن الأمر كله لله ، و” أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ , رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ” .
ثم إن للإيمان وللمؤمنين صفات وعلامات ، من أهمها :
1- ما ذكره الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى : ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ” , فالمؤمن تقي نقي يألف ويؤلف ليس بفظ ولا فاحش ولا غليظ , خاشع لله , مخبت إليه ، حيث يقول الحق سبحانه : ” أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ” ، وحيث يقول (عزّ وجل) : ” فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ” , مما يؤكد أن الظواهر التي تميل إلى القسوة والعنف والتطرف والإرهاب وسفك الدماء والتنكيل بالبشر لا علاقة لها بالإيمان ولا بالأديان ، بل إن القرآن الكريم قد نص على ذلك صراحة في قوله تعالى: “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً” , ثم يقول سبحانه : “‏ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً “.
2- أن المؤمن إنما هو مصدر أمن وأمان ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ , والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم” , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “وَاللَّهِ لاَيُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ” قِيلَ : مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ : ” الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ،قِيلَ: وَمَا بَوَائِقُهُ ؟ قَالَ : شَرُّهُ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم” .
فالإيمان يربي صاحبه على الكف عن الأذى وعلى حب الخير للآخرين والإحساس بهم والعمل على إسعادهم ، فإذا كان الإيمان خيرًا كله ، فينبغي أن يكون المؤمن خيِّرًا يتحرك على الأرض لنفع الناس ، لا لأذاهم أو الاستعلاء عليهم أو الإضرار بهم .
ومع تخلي المؤمن عما لا يليق بإيمانه ، فإنه يتحلى بصفات عديدة فصّلها القرآن الكريم في مواضع متعددة ، ولعل من أبرزها ما افتتحت به سورة “المؤمنون” ، حيث يقول الحق سبحانه : “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”.
ومن هذه الصفات التفصيلية نقف عند صفتين اثنتين مراعاة لما يقتضيه مقام المقال :
أ‌- الصفة الأولى التي تصدرت صفات المؤمنين في سورة “المؤمنون” ، وهو قوله تعالى : ” الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ” فالمؤمن قلبه معلق بالمساجد ، وهو في المسجد كالسمك في الماء ، أما المنافق في المسجد فهو كالعصفور في القفص ، وعندما تحدث النبي (صلى الله عليه وسلم) عن السبعة الذين يظلهم الله (عز وجل) في ظله يوم لا ظل إلا ظله كان من بينهم : “رجل قلبه معلق بالمساجد” ينتظر الصلاة بعد الصلاة , خاشع في صلاته ، مطمئن في ركوعه وسجوده ، لا تشغله الدنيا وما فيها عن أداء ما افترضه الله عليه ” .
ب‌- في قوله تعالى : ” وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ” فالإيمان , والأمن , والأمان , والأمانة ألفاظ ترجع في أصل اشتقاقها إلى مادة لغوية واحدة : هي مادة : (أَمِنَ) ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) في ربط واضح بين الأمانة والإيمان : “لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له”.
فأداء الأمانة والوفاء بالعهد ، هو أحد أهم جوانب التطبيق العملي لمفهوم الإيمان ، ونلاحظ أن النص القرآني هنا لم يذكر مجرد أداء الأمانة أو الوفاء بالعهد ، إنما تحدث عن رعاية ذلك وتعهده والعناية به كما يتعهد الوالد ولده أو الزارع زرعه ، حيث يقول الحق سبحانه : ” إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ” ، ويقول سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ” ، ويقول سبحانه : “وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً” ، فالقيم والأخلاق هي التطبيق العملي لمفهوم الإيمان والدليل على رسوخه وتمكنه من نفس صاحبه.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى