الإمام العادل
يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إِلا ظله الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة ربه ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليهِ ، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف اللَّه ، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر اللَّه خاليا ففاضت عيناه” .
ولفظ الإمام العادل يشمل كل من ولي أمر مجموعة من الناس في شأن من شئون دينهم أو شئون دنياهم ، فهو راع لهم ومسئول عنهم أمام الله (عز وجل) ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” كلكم راع فمسئول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم ، والرجل راع على أَهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأَة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ” (أخرجه البخاري) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إِلا أتى الله مغلولا يوم القيامة يده إِلى عنقه فكه بِره أو أوبقه إِثمه ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إنّ الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيع ؟ حتى يسأل الرجل على أهل بيته” .
على أن أمانة العمل العام ثقيلة حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) لسيدنا أبي ذر (رضي الله عنه) : “يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها ” أي أدى الذي عليه فيها من النهوض بتبعاتها ، وعدم التقصير في حق ما كلف به أو ولاه الله إياه ، وإذا كان عاقبة من قصر في حمل هذه الأمانة هو الخزي والندامة يوم القيامة فإن جزاء من وفىَّ بحقها وأدى الذي عليه فيها هو إكرام الله (عز وجل) له بأن يظله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ، بل إنه يكون في مقدمة من يشمله الله (عز وجل) بهذا الفضل العظيم والكرم العميم .
وقد دعانا الإسلام إلى إكرام ذي السلطان العادل المقسط الذي يتقي الله (عز وجل) في شئون رعيته ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إن من إجلال اللَّه تعالى : إِكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط ” ، والمقسط اسم فاعل من أقسط ، والهمزة في أقسط هي همزة التعدية ومنها أزال القَسْط بالفتح أي أزال الظلم ، فهو لم يكتف بتحقيق العدل ، وإنما اجتهد في رفع الظلم عن المظلومين وإنصافهم ، ناهيك عن سعيه لقضاء حوائج الناس ، وسهره على راحتهم ، وعمله على ما يصلح أمور دينهم ودنياهم ، مثل هذا يستحق الدعاء والإعانة ، وهذا سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) يقول : أطيعوني ما أطعت الله ورسوله , فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم .
ولذا قال نبينا (صلى الله عليه وسلم)” إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ” ، وإذا كان رب العزة قد قال في كتابه العزيز : ” أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ” ، فإنه أيضًا قد قال في الآية نفسها : ” وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”، وبما أن الإحياء هنا لا يمكن أن يكون على حقيقته إنما هو مجاز عن العمل على بقائها حية ، بتوفير سبل العيش الكريم لها ، فكل من سد جوعتها ، وستر عورتها ، وكف الشر عنها سواء أكان ذلك بدفع أذى وشر الإرهاب والإرهابيين عن عباد الله الآمنين ، أم كان بصورة غير مباشرة , كتوفير مياه نقية , أو كتعبيد الطرق ، بما يترتب عليه من تقليل نسب الحوادث ، فتقل نسبة الوفيات ، فكل ذلك بمثابة إحياء للنفس .
مع تأكيدنا أنه لا يكفي في الحاكم مجرد العدل دون امتلاك سائر مقومات الوفاء بالأمر من القوة والكفاءة ، والكياسة والأمانة ، ولا سيما في ظل حياتنا العصرية بما فيها من تعقيدات وتداخلات تحتاج إلى خبرات غير عادية للوفاء بحمل أمانة دولة أو حتى مؤسسة ، إذ لا بد من توافر صفات ومقومات تفصيلية وفق طبيعة المهمة التي توكل إلى قائد أو مسئول ودرجة المسئولية وحساسية المهام المنوطة بها , ومن أهمها : التفاني والإخلاص في العمل , والقدرة على تحمل الضغوط , والتعامل مع الأزمات وحسن معالجتها , والرؤية السياسية , والإلمام بمتطلبات الأمن القومي , والقدرة على العمل بروح الفريق , والتميز في مستوى الوعي والثقافة العامة ، وتنفيذ المهام .