الإلحاد الممول
فرق كبير وبون شاسع بين حرية المعتقد وبين الاستهداف السياسي تحت مسمى حرية المعتقد ، فحرية المعتقد مكفولة ، والاستهداف الموجه وفوضى قصد إثارة الفوضى لا يمكن أن يقبله أحد .
ندرك ونؤكد أن الإسلام قائم على حرية الاختيار ، حيث يقول الحق سبحانه : ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ” ، ويقول الحق سبحانه : ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ” ، ويقول سبحانه : ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ “.
أما في ضوء ما تمر به منطقتنا من استهداف متعدد الجوانب في ضوء حروب الجيل الرابع التي تهدف إلى تمزيق المجتمعات وتحللها في جميع الجوانب قيمًا وأخلاقًا بشتى السُّبل : بالإرهاب المصنوع ، والإلحاد الموجه أو الممول ، وإثارة النعرات العرقية أو القبلية أو الطائفية ، فصار الإلحاد موجهًا ومسيسًا وممولاً ، قصد الإسهام في إحداث حالات الفوضى والإرباك ، إذ لم تعد كثير من الأمور في مجتمعاتنا عفوية أو طبيعية ، فقد صارت مخططات الأعداء تنال كل جوانب حياتنا ومقوماتها ، مما يتطلب التوعية بمخاطر كل الظواهر السلبية ، إذ إن هذه المخططات تهدف من خلال الإلحاد المسيس أو الموجه الممول إلى نزع القيم الإيجابية من نفس الملحد ، وبما يفرغه من الرقابة الذاتية الأصيلة، رقابة الضمير ، ومراقبة خالق الكون والحياة، فلم يعد أمامه سوى القانون الذي يسعى إلى التفلت منه ما وسعه ذلك .
ومع أن بناء الدول لا يقوم على الضمائر وحدها ، إذ لا بد من قانون منظم نعمل على إقراره وإعلاء شأنه ، مؤمنين وموقنين أن الله (عزّ وجلّ) يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، وأنه لا يجوز أن يُترك الناسُ فوضى بلا نظام ولا قانون حاكم ، فإننا نؤكد أنه مع كل احترامنا لسيادة القانون وتأكيدنا على إعلاء رايته ، وتعزيز مكانته ، وترسيخ حكم القانون ودولة القانون ، فإننا نؤكد أن العمل على إيقاظ الضمائر وتعميق الحس الإيماني والخوف من الله (عزّ وجلّ) أمر لا غنى عنه لصلاح الفرد والمجتمع ، إذ من الصعب أن نجعل لكل إنسان جنديًا أو حارسًا يحرسه ، ولكن من السهل أن نربي في كل إنسان ضميرًا حيًا ينبض بالحق ويدفعه إليه ، لأنه يراقبه من لا تأخذه سنة ولا نوم حيث يقول الحق سبحانه : على لسان لقمان عليه السلام في وصيته لابنه : ” يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ” ، ويقول سبحانه : “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” ، ويقول سبحانه : ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ” ، ويقول سبحانه : ” وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ” ، ويقول سبحانه : “وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ”. ويقول تعالى ” ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم ) عندما سأله سيدنا جبريل (عليه السلام) : عن الإحسان ، فقال (صلى الله عليه وسلم ) : أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” ثلاث منجيات ، وثلاث مهلكات، فأما المنجيات : فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط ، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات : فشح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه” .