:أهم الأخبارمقالات

الإسلام في مواجهة الإرهاب

mokhtar-gomaa3

لا يوجد مسلم واحد عاقل فاهم لدينه مُحب له , مُحب لوطنه ولأمته , إلا كان في الصف الأول من مواجهة الإرهاب وليس مجرد رافض له , ذلك أن الإرهاب خطر على ديننا وعلى هويتنا , وعلى أنفسنا , وعلى أوطاننا , وقد اضطرتنا تلك الثُّلة الآثمة المجرمة الإرهابية المتطرفة وفي مقدمتها تنظيمات داعش والنصرة والقاعدة وبوكو حرام وأعداء بيت المقدس وتنظيم الإخوان الإرهابي إلى أن نصرخ وأن ننفي عن ديننا ما هو منه براء أصلاً وأن نقول للعالم كله : لسنا كذلك , ونحن ضحية ولسنا جلادين , نحن أول من يستهدفه الإرهاب , وأول من اكتوى بناره , وأكثر من يسعى إلى اجتثاثه من جذوره , ويقف في طليعة الصف الأول في مواجهته , تدينا لله (عز وجل) وحرصًا على استرداد خطابنا الديني من مختطفيه , وإذا كان من دين يجرم الإرهاب ويقف له بالمرصاد فإن الإسلام في المقدمة , ذلك أنه دين الرحمة والتسامح , فنبينا (صلى الله عليه وسلم) نبي الرحمة , ليس للمسلمين وحدهم ولا للمؤمنين وحدهم , ولا للموحدين وحدهم , وإنما للناس كافة , حيث يقول الحق سبحانه مخاطبًا نبينًا (صلى الله عليه وسلم) : ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” (الأنبياء : 107) , وينهى ديننا عن كل ألوان الفساد والإفساد في الأرض , فيقول سبحانه : ” وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” , ويقول سبحانه “فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ” , ويقول سبحانه : “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ” (البقرة : 204 – 205) .

وفي ثلاث جولات متتابعة بين كازاخستان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة , إلى المملكة المغربية عدت مفعمًا بالأمل وبأن الأمة لا زالت حية , وأننا قادرون على المواجهة , فبداية من لقائي برئيس مجلس الشيوخ الكازاخستاني وقيادات الشأن الديني والثقافي بكازاخستان وجدت إصرارًا كبيرًا على مواجهة كل ألوان التطرف والإرهاب وحرصًا على الحوار الحضاري بين الأديان الذي يرعاه السيد الرئيس / نور سلطان نزار بايف رئيس الجمهورية الكازاخستانية بنفسه ويوليه اهتمامًا كبيرًا , مع تأكيدهم على أهمية ومشاركة مصر بأزهرها الشريف في كل فعاليات هذا الحوار الإنساني , وعلى دورها في مواجهة الإرهاب والتحديات في ظل الجهود الوطنية والإقليمية والدولية التي يبذلها سيادة الرئيس / عبد الفتاح السيسي في مواجهة الإرهاب.

ومن كازاخستان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة حيث كانت المحطة الثانية التي ألقيت فيها محاضرة تحت عنوان “حماية المجتمع من التطرف” بمجلس سمو الشيخ / محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية الشقيقة , حيث تتحد الرؤى والمواقف المصرية الإماراتية في مواجهة الإرهاب , بما يجعلنا نستطيع أن نقرر وباطمئنان أن جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة شريكان أساسان في مواجهة الإرهاب , وأن المرحلة المقبلة ستشهد تعاونًا أكبر في مواجهة التطرف الفكري من خلال التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة .

ثم كانت نهاية الجولة بزيارة المملكة المغربية الشقيقة , ولم يختلف الأمر بين مصر والمغرب عنه مع الشقيقتين الإمارات العربية والمتحدة وكازاخستان , فقد التقيت في دولة المغرب بقيادات الشأن الديني بها , حيث كان اللقاء الأول مع معالي وزير الأوقاف المغربي الدكتور / أحمد التوفيق , ثم تلاه لقاء آخر مع الدكتور / أحمد العبادي رئيس الرابطة المحمدية للعلماء التي تتبع القصر الملكي مباشرة , ثم بالدكتور / محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه جلالة الملك محمد السادس بنفسه , وقد تلاقت أفكارنا في التأكيد على ضرورة وحتمية التعاون والتنسيق على محاصرة الفكر المتطرف واقتلاعه من جذوره , بل على أن نعمل معًا على نشر الفكر الإسلامي الوسطي الصحيح في مختلف دول العالم , وقد شكّل هذا التوجه إجماعًا لدى كل من التقيناهم من العلماء والسفراء والسياسيين خلال هذه الجولات وغيرها من الجولات الخارجية واللقاءات الداخلية التي أجريتها مع من استقبلناهم من العلماء والوزراء والمفتين والمسئولين عن الشأن الديني , مما يؤكد أننا قادرون بإذن الله تعالى على اقتلاع هذا الإرهاب الأسود واجتثاثه من جذوره , وعلى استعادة ما اختطفه هؤلاء المجرمون من خطابنا الديني , وعلى تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى النشء والشباب سواء في دولنا ومنطقتنا أم في جميع أنحاء العالم , غير أن الأمر يحتاج أن نتحول من العمل الفردي إلى الجماعي وإلى تكوين منظومة عمل جماعية تدرك حجم التحديات والأخطار , وتشرع على الفور في وضع الحلول وخطط مواجهة هذا الفكر المتطرف , ولا سيما على مواقع التواصل ومستويات صناعة الميديا والتقنيات الحديثة , وهو ما سنعمل عليه خلال المرحلة القادمة , وبخاصة أن المناخ العالمي الآن أصبح ممهدًا أكثر من أي وقت مضى , بعد أن أدرك العالم كله وبما لا يدع مجالاً للتردد أن الإرهاب خطر داهم , لا دين له , ولا وطن له , وأنه متجاوز للحدود , عابر للقارات , وأنه لا بديل عن تحالف عالمي واصطفاف إنساني للقضاء عليه قبل أن يستفحل خطره أكثر من ذلك فيأكل الأخضر واليابس بما لا يبقى ولا يذر.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى