:مقالات

الأمل الصادق قادم

 

لا يستطيع الإنسان أن يحيا بلا أمل , فلا حياة مع اليأس , ولا يأس من الحياة , وقد عد أهل العلم اليأس والتيئيس والإحباط والتحبيط من الكبائر , يقول سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رجلًا قال : يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال : (صلى الله عليه وسلم) :  “الشرك بالله , والإياس من روح الله , والقنوط من رحمة الله , من وقاه الله إياها وعصمه منها ضمنت له الجنة” , ومن يقرأ القرآن الكريم يجده مفعمًا بالأمل الذي لا يأس فيه , ففي قصة إبراهيم (عليه السلام) يتدفق الأمل تدفقًا واضحًا , حيث يقول الحق سبحانه : “وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ” , ولما جاءته (عليه السلام) البشرى , “قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ”.

وهذا نبي الله يعقوب (عليه السلام) , لا ييأس مع طول غياب ولده يوسف (عليه السلام) , بل يقدم طلب البحث عنه على طلب البحث عن أخيه , حيث يقول كما حكى القرآن الكريم على لسانه (عليه السلام) : ” يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” , ” وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ” .

وهذه مريم (عليها السلام) يأتيها الأمل في أوج الشدة : ” أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا”.

وهذه أم موسى (عليه السلام) يأتيها الأمل من موطن الخوف , وحيث يكون ويُظَنُّ , ” وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ” .

على أننا نفرق بين الأمل الصادق والخيالات أو الأوهام , فالأمل الصادق هو الأمل الذي يحمله العمل , أما الخيالات والأوهام فتقوم على مجرد الأماني وأحلام اليقظة , وقد كان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول : “لَا يَقْعُدُن أَحَدُكُمْ عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً” , وفي قول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُتم عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ، تَغْدُو خِمَاصًا ، وَتَرُوحُ بِطَانًا” , قال أهل العلم : ألم تر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد ذكر الطير تغدو وتروح , ولم يذكرها ساكنه ثابتة في مكانها والرزق يأتيها حيث هي , إنما ألمح إلى أخذها بأسباب الرزق في غدوها ورواحها , ويقول الشاعر :

ألــم تر أنَّ الله قـــــــــال لمريـــــــــم
وهزي إليك الجذع تساقط الرطــب
ولو شاء أن تجنيه من غيـــر هزهــــا
جنته ولكن كل شـــيء لـــه سبـــب

فلولا الأمل ما ذاكر طالب ولا اجتهد , ولولا الأمل ما زرع زارع ولا حصد , ولولا الأمل ما فكر والد في إنجاب ولد , غير أن الأمل يحدو الزارع فيزرع ويصبر وينتظر الفرج مع حسن توكل لا تواكل , ولا مجرد ركون إلى الأسباب , إنما هو عمل في أمل وحسن توكل على الله , حيث يقول الحق سبحانه : “أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ” ,  فالإنسان يزرع ورب العرش ينبت , وقد وعد الحق سبحانه وتعالى عباده بأنه لا يضيع أجر من أحسن عملا , فقال سبحانه : ” إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا” .

وفي ضوء ما نشاهده على أرض الواقع نستطيع أن نؤكد أن الأمل الصادق قادم , وأننا في طريقنا إلى انطلاقة قوية نحو مستقبل مشرق بإذن الله تعالى , غير أن هذا الأمل يحتاج إلى مزيد من العمل , ومزيد من الإتقان , وأن يكون البحث العلمي العصري الدقيق مع حسن التوكل على الله (عز وجل) زادنا الرئيسي نحو المستقبل , فبعد افتتاح قناة السويس الجديدة , وفي أقل من عام تفتتح خلال الأيام القليلة المقبلة قناة شرق بورسعيد , وغيرها من المشروعات الكبرى , وسيشهد عام 2016م المزيد من افتتاح هذه المشروعات , وسنواصل في وزارة الأوقاف المزيد من العمل والتطوير , سواء في مجالات التدريب والتأهيل , أم في مجالات تحسين أحوال العاملين بالوزارة , أم في مجالات افتتاح المساجد وصيانتها , أم في مجالات افتتاح مكاتب التحفيظ العصرية ومراكز الثقافة الإسلامية , أم في مجال الطباعة والترجمة والنشر بإذن الله تعالى.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى