:أخبار وآراءأهم الأخبارمقالات

الأمــــل

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

  الأمل شيء عظيم يجب أن نتمسك به حتى في أحلك الظروف واللحظات والمواقف ، وقد عدّ كثير من العلماء اليأس والتأييس من الكبائر ، فعن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أن رجلًا قال : يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال : (صلى الله عليه وسلم ) :  ” الشرك بالله ، والإياس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله , من وقاه الله إياها وعصمه منها ضمنت له الجنة ” .

  ومن يتأمل في القصص القرآني يجده مفعمًا بالأمل ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان سيدنا إبراهيم (عليه السلام) : ” قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ” (الحجر : 54-56)، ويقول سبحانه : ” وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ” (هود : 71-73) .

  وهذا زكريا (عليه السلام) يدعو ربه فيقول : ” قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ” (مريم : 4) ، ثم يقول سبحانه : ” فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ” (الأنبياء : 90) .

  وهذا سيدنا أيوب (عليه السلام) يدعو ربه فيقول : ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ” (الأنبياء : 83-84) .

  وسئل بعضهم أي آية في القرآن الكريم أرجى ؟ ، فقال: قوله سبحانه : ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” (الزمر : 53).

  فلا ييأس مريض من مرض مهما كان مزمنًا أو عضالاً ، فإذا قال لك الأطباء : لا أمل ، فتعلق بمن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون ، ولك في نبي الله أيوب (عليه السلام) أسوة حسنة ، وإن كنت عقيمًا لا تنجب فلك في نبي الله إبراهيم (عليه السلام) ونبي الله زكريا (عليه السلام) أسوة حسنة ، وإن قيل لكم : إن الناس قد جمعوا لكم وتألبوا عليكم فاخشوهم فلكم في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه أسوة حسنة ، حيث يقول الحق سبحانه : “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ” (آل عمران : 173-174) .

  وإن كنت في فاقة من المال فاعلم أن غني اليوم قد يكون فقير الغد ، وفقير اليوم قد يكون غني الغد ، يقول الحق سبحانه وتعالى : ” وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ” ويقول الشاعر :

ألم تر أن الفقر يرجى له الغنـــى

وأن الغنى يخشى عليه من الفقر

  على أن الأمل الذي نسعى إليه هو الأمل المبني على العمل والأخذ بالأسباب ، وإلا كان أملاً أجوف لا طائل منه ، فقد كان سيدنا عمر (رضي الله عنه) يقول : لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول : اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة .

  ويقول الحق سبحانه وتعالى : “فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور” (الملك : 15) ، وقد جمع الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بين الباحثين عن الرزق الحلال والمجاهدين في سبيل الله ، فقال سبحانه : ” عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ” (المزمل : 20) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً ” (رواه الترمذي) ، قال أهل العلم : إن الطير هنا تأخذ بالأسباب فهي تغدو وتروح ، ولا تمكث كسالى في أعشاشها وأوكارها وتقول : اللهم ارزقني ، فما أحوجنا إلى الأمل والعمل معًا ، الأمل التي يستجلب الهمة والنشاط ، والعمل الذي نعمر به الكون ، ونبني به الحضارة ، ونربح أمر ديننا ودنيانا .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى