:أهم الأخبارمقالات

الأشخاص والمؤسسات

الأشخاص زائلون والمؤسسات باقية ، الأشخاص زائلون والأوطان قائمة ، والدنيا لا تقف عند أحد ، والشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا حياته ، ومن الخطأ الفادح تضخم الأنا لدى بعض المغرورين حتى يظنوا أنهم فوق مؤسسات الدولة ، ومن الخطأ البيّن أيضًا هدم أو محاولات هدم بعض المؤسسات لأخطاء بعض المنتسبين إليها .

العلاج الناجع هو استئصال الورم وتطهير المؤسسات من الأشخاص غير الوطنيين ، المؤسسات الوطنية لها معياران لا ثالث لهما ، هما : الكفاءة والوطنية التي تعني الأمانة للوطن ، والعمل على رفعته ، وحفظ مقدراته ، وهذان الشرطان لازمان لأي عمل قيادي ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) حين قال لعزيز مصر : ” اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” (يوسف : 55) ، ويقول سبحانه على لسان ابنة شعيب (عليه السلام) لأبيها عن سيدنا موسى (عليه السلام) : ” يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ” (القصص : 26) ، فالكفاية وحدها لا تكفي والأمانة وحدها لا تغني ، ولا بد من اجتماعهما معا في كل من يتصدى للعمل القيادي أو العمل العام.

وليس لدينا فسحة أو مجال لاحتمال ما لا يحتمل أو الصبر على ما لا ينبغي الصبر عليه , أو قبول من يريدون التمحور في المناطق الرمادية ، فهو طريق واحد مستقيم لا يقبل الاعوجاج ، هو أن يكون الإنسان في صف وطنه ومصلحة وطنه ، حيث أكدنا وما زلنا نؤكد أن مصالح الأوطان لا تنفك عن مقاصد الأديان ، وأن كل ما يقوي دعائم بناء الدولة الوطنية واستقرارها ، ويؤدي إلى قوتها ورقيها ، هو من صميم مقاصد الأديان ، وكل ما ينال من بناء الدولة واستقرار الوطن ومصالح أهله بالتخريب أو التدمير ، أو الفساد أو الإفساد ماديًّا كان أو معنويًّا : ماديًّا كالاستهداف والتفجير والتخريب أو معنويًّا كبث الفتن وترويج الأكاذيب والشائعات والعمل على زرع الفرقة بين أبناء الوطن الواحد ، قصد هدم الدولة أو إسقاطها أو إضعافها أو تقويض بنيانها ، كل ذلك لا علاقة له بالأديان ولا علاقة للأديان به ، إنما هي من ذلك كله براء ، فالأديان رحمة ، الأديان سماحة ، الأديان حضارة ، الأديان تعمير ، الأديان بناء ، الأديان جاءت لسعادة البشرية لا لتعاستها ، وحيث تكون مصلحة البلاد والعباد فثمة شرع الله (عز وجل) .

أما من يحاولون إمساك العصا من المنتصف أو مخادعة المجتمع أو يكونون إمعة لمصالحهم الخاصة أو لجماعات تستخدمهم لمصالحها ، فإن العمل العام وبخاصة القيادي لا يحتملهم ، حتى ذهب بعض الكتاب إلى أنه لا حياد مع الوطن ولا في قضايا الوطن ، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من هذا فقال : الحياد مع قضايا الوطن خيانة للوطن، ويعني – وحق له- ألا يقف الإنسان موقفا سلبيا ، حيث تتطلب مصلحة الوطن الإيجابية والتفاعل والفداء والتضحية .

أخطاء بعض الأشخاص تحسم بمحاسبتهم وغلّ أيديهم عن العبث بمؤسسات الدولة ، مع سعي كل وطني مخلص للحفاظ على المؤسسات والعمل على سرعة إصلاح ما أفسدته يد العابثين أو تقصير المقصرين ، فالموت إهمالا كالموت إرهابا ، وضياع الأمر إهمالا كضياعه إفسادًا ، وقد قالوا قديما : بيت المهل كبيت الظالم كلاهما إلى خراب ودمار.

إننا في مرحلة لا تحتمل الأمور فيها غير الحسم وقد حانت ساعته ، وعلى الناس أن يتميزوا بوضوح شديد لا لَبْس فيه ، من هو في صف الوطن قلبا وقالبا ، ومن هو في موقف المتردد أو المترقب أو للأسف الشديد صاحب ميل أو هوى لبعض عناصر أو أفكار الجماعات الضالة الإرهابية المتطرفة التي يأتي على رأسها في العداء للوطن واستهدافه تلك الجماعة الإرهابية المسماة جماعة الإخوان بكل شعبها وعناصرها والمتعاطفين معها ، فإن مجرد التستر على هؤلاء المتعاطفين مع هذه الجماعة الضالة ولا سيما في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة أو دعمهم بأي لون من ألوان الدعم والتمكين لهم إنما هو دعم للإرهاب والتطرف ، مع ضرورة استخدام أقصى درجات الحسم مع كل الإرهابيين وداعميهم ماديا أو فكريا أو لوجستيا ، والعمل الدءوب على قطع دابر الجماعات المتطرفة ، وتفنيد ضلالاتهم وأباطيلهم ، واعتبار ذلك واجب الوقت وجوبا شرعيا ووطنيا .

على أننا نؤكد أن النقد الموضوعي الهادف إلى الإصلاح ليس هدما ، شريطة أن يكون موضوعيًّا ، وأن انتقاد سلوك بعض الأشخاص المخطئين أو المقصرين لا يعني هدم المؤسسات بل يعني إصلاحها والغيرة عليها والسعي إلى النهوض بها والعبور بها إلى مستقبل أعظم ، بل إلى بر الأمان.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى