:أهم الأخبارمقالات

ابتلاءات الأنبياء والصالحين

أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

إذا أحب الله عبدًا ابتلاه ، ويبتلى الناس على قدر دينهم ، فأشدهم إيمانًا أشدهم وأكثرهم ابتلاء ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً , الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ , يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ ” .

ومن نماذج ابتلاءات الأنبياء ابتلاء سيدنا أيوب (عليه السلام) الذي مسه الضر فصبر ورضي ، ولم يسخط أو يجزع ، حيث يذكر أهل العلم أن الضر كان قد أصابه سنوات فِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَسَدِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَأَوْلَادٌ كَثِيرَةٌ، وَمَنَازِلُ مَرْضِيَّةٌ. فَابْتُلِيَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَذَهَبَ عَنِ آخِرِهِ، ثُمَّ ابْتُلِيَ فِي جَسَدِهِ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ  يَحْنُو عَلَيْهِ سِوَى زَوْجَتُه، كَانَتْ تَقُومُ بِأَمْرِهِ حتى مَنَّ الله (عز وجل) عليه بالشفاء ، وردَّ إليه عافيته ، على نحو ما يصور القرآن الكريم : ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ” .

ويقول بعض أهل العلم : كيف يغفل من ابتلي في جسده عن قوله تعالى على لسان أيوب (عليه السلام) حين نادى ربه : ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” .

وهذا إبراهيم (عليه السلام) يُبتلى بكيد قومه له وتربصهم به إلى درجة إيقاد النار والعمل على إلقائه فيها حيًّا لإحراقه بها ؛ لكن الرحمة الإلهية كانت حاضرة ، حيث أمر الحق سبحانه النار أن تكون بردًا وسلامًا فكانت ، حيث يقول سبحانه على لسان قومه : ” قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ” .

ثم يُبتلى (عليه السلام) ويُختبر في ذبح ولده إسماعيل (عليه السلام) فما كان منهما (عليهما السلام) إلا الرضا والاستسلام لأمر الله (عز وجل) والاستجابة له ، حيث يقول الحق سبحانه : ” فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ “.

وهذا نبي الله يونس (عليه السلام) يُبتلى بالتقام الحوت له فلم يغفل وهو في بطن الحوت عن  المناجاة بالاستغفار ” وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ” حتى كانت النجاة ، حيث يقول سبحانه : ” وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ  فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ” ، ولهذا قال بعض أهل العلم أيضًا : وعجبت لمن ابتلي بالضيق كيف يغفل عن قوله تعالى على لسان موسى (عليه السلام) : ” أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ “.

وهذا نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وقد أصابه من الامتحان والابتلاء ما أصابه ،  حيث آذاه قومه وأخرجوه ، وحاولوا قتله ، وكسروا ثنيته يوم أحد ، وسلطوا عليه عبيدهم وصبيانهم يوم الطائف يرمونه (صلى الله عليه وسلم) بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفتين ،  وهو ينادي ويقول : ” اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي ، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي “.

وهكذا أيضًا شأن المؤمنين الصادقين ، حيث يقول سبحانه : ” أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ “.

على أن عاقبة الصبر على الابتلاء عافية في الدنيا ورحمة ورضا من الله (عز وجل) في الآخرة ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ” ، ويقول سبحانه : ” وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ” ، ومع ذلك سلوا الله العافية ، ومن ابتلي فليحمد الله ويصبر .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى