أهـــــلا شــــهر الــــخير
لا شك أن رمضان هو شهر الخير ، وشهر البركات ، وشهر الأخلاق ، وشهر البر ، وشهر الصلة ، وشهر الإحسان ، وشهر الصبر ، وشهر القرآن ، وشهر الصدقة ، وشهر الرحمة ، وشهر المغفرة ، فإذا كان رمضان نادى مناد : يا باغي الخير أقبل ، وياباغي الشر أقصر .
ورمضان شهر الخير والتكافل ، فيه يضاعف ثواب الأعمال ، من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، ومن فطر فيه صائمًا فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء .
وينبغي استثمار بركة هذا الشهر الكريم في مزيد من التكافل والتراحم ، مؤمنين بأن ما عند الله خير وأبقى ، حيث يقول سبحانه : ” وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ” ، ويقول سبحانه :” مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إلاَّ مَلَكانِ يَنْزلاَنِ، فَيقُولُ أحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تلَفًا” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “ حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاءِ الدُّعَاءَ ” .
وهو شهر البر والصلة وإطعام الطعام ، فإلى جانب البر والإحسان والصدقات ، يأتي التواصل والتراحم والتزاور وإكرام الضيف ، فعن عبد الله بن سلام (رضي الله عنه ) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : “ أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ “.
وهو شهر القرآن ، حيث يقول الحق سبحانه : ” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ” ، وحيث يقول سبحانه: ” حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ” ، وحيث يقول سبحانه : ” إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ *” .
ومن خيرات هذا الشهر الكريم أن من صامه أو قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ” ، ويقول(صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ “(رواه البخاري) ، وعمرة فيه تعدل حجة في ثوابها وبركتها ، فهو شهر أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، وفيه تفتح أبواب الجنة ، وتوصد أبواب النار ، وتصفد الشياطين ، وهو شهر الأمل ، وشهر الدعاء ، وشهر الإجابة ، وليس غريبًا أن تأتي آية الدعاء في قوله تعالى : ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”، في سياق آيات الصيام ، وذلك لما بين الصيام والدعاء من رباط وثيق ، ألم يقل نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” ثَلَاثٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرُدَّ لَهُمْ دَعْوَةً: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْمَظْلُومُ حَتَّى يَنْتَصِرَ، وَالْمُسَافِرُ حَتَّى يَرْجِعَ ” .
وعلى الجملة فالصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة ، كما جاء في حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” يَقُولُ : الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ فَيُشَفَّعَانِ ” .
ومن هنا ينبغي على كل عاقل أن يجتهد في استدراك ما فات والتعرض لما في هذا الشهر من الرحمات والنفحات والبركات ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا ، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا” .