أبو محرز والتتار الجدد
ربما لم يعرف تاريخ منطقتنا قومًا أكثر شراسة وجلافة ووحشية وهمجية وانسلاخًا من كل المعاني الإنسانية من أولئك التتار الذين كانوا يحرقون الأخضر واليابس ، ويهلكون الحرث والنسل ، سفكوا الدماء ، وقتلوا العلماء والفقهاء ، والعباد والزهاد ، والشيوخ والنساء والأطفال ، واستذلوا الملوك والسلاطين ، وعملوا على طمس كل المعالم الحضارية للأمم التي غزوها والدول التي دخلوها أو حتى تلك التي مروا بها ، وكأني بداعش وأخواتها من القاعدة ، وبوكوحرام ، وأعداء بيت المقدس ، وجند الخذلان أعني الشيطان النصرة سابقًا ، وجماعة الإخوان الحاضنة الكبرى لكل تلك الجماعات ، والتي انتهجت منهجًا في الفساد والإفساد ، واستباحة الدماء ، واحتراف الكذب ، ولي أعناق النصوص ، وتحريف الكلم عن مواضعه ، بما لا سابقة له في تاريخ الحركات المتدثرة زورًا وبهتانًا بعباءة الدين ، ولا سيما في الصفتين الأخيرتين .
إن قتل ذلك الشيخ البدوي السيناوي الوطني المسالم الأعزل “أبي محرز” بدم بارد وهمجية مقيتة ، ما هو إلا محاولة مدروسة من هؤلاء الجبناء ومن يستخدمونهم ويخططون لهم للفت الأنظار إليهم للتغطية على فشلهم وضعفهم وانهزامهم أمام قواتنا المسلحة الباسلة من جهة ، ولإرهاب وإخافة الآخرين ومحاولة إلقاء الرعب في قلوبهم بإظهار ما هم عليه من قلوب غلف مجردة من الإنسانية من جهة أخرى ، غير أن الله (عزَّ وجلَّ) قد طمس على بصيرة هؤلاء الإرهابيين المجرمين من داعش وأخواتها والإخوان وأنصارها لخبث سريرتهم وطويتهم وسوء نياتهم وضلال مقصدهم وبغيتهم ، فالتتار لم يتدثروا بعباءة الدين ، ولم يلبسوها أو يدعوها ، فقد أعلنوا أنفسهم آلهة الأرض ، وتجاوزا في ذلك إلى أبعد درجات الشطط البشري ، أما هؤلاء القتلة السفاحون إنما يعتدون باسم الدين ، ويقتلون باسم الإسلام ، ويتاجرون براية القرآن ، وراية محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ولم يعرف التاريخ أناسًا محسوبين على البشرية أشد خطرًا على دين الله (عز وجل) منهم ، يقول الحق سبحانه : ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ*وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ*وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ” (البقرة : 204-206) ، ويقول سبحانه : “وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ” (المنافقون : 4) .
وإذا أردنا أن نأخذ نماذج لتحريف الكلم عن مواضعه في الدعوة إلى الفساد والإفساد ، وسفك الدماء ، وترويع الآمنين ، فلنأخذ الآتي : ادعاؤهم كذبًا وزورًا وبهتانًا أنهم ليسوا طلاب دنيا ولا سلطة ، وما أن وجدوا فرصة سانحة إلا سطوا عليها والتهموها ، وأقصوا حلفاءهم قبل خصومهم عنها ، فبعد أن أعلنت جماعة الإخوان الإرهابية أنها لن ترشح أحدًا للرئاسة نكصوا ونكثوا وهرعوا يبررون خلفهم وغدرهم بكل حلفائهم بأن الظروف قد تغيرت ، وأنهم يدورون مع المصلحة حيث دارت ، وحيث كانت ، وطبيعي أن المقصود هو مصلحة قيادات الجماعة الإرهابية لا مصلحة الوطن ولا مصلحة المواطنين ولا حتى مصلحة الدين.
وفي الوقت الذي يتاجرون فيه بالسلمية ويعلنون رفضهم العنف يخرج منظروهم للتحريض على القتل علنًا ، ويوظفون كتائبهم للتحريض على الفوضى ، ويسوقون الأباطيل لدفع أنصارهم والمتعاطفين معهم للتخريب وتعطيل مسيرة الإصلاح ، بل إن بعض المحسوبين ظلمًا وبهتانًا على العلماء والمثقفين منهم يدعون صراحة إلى القتل والاغتيال والتصفية دون وازع من دين أو ضمير ، غير مكترثين بحرمة الدماء ، حيث يقول الحق سبحانه : ” مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ من قتل نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ” (المائدة : 32) ، ويقول (عزّ وجلّ) ” وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ” (النساء :93) ، وحيث يقول نبينا : ” من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات “(صحيح البخاري).
والأشد خطرًا أنهم قد عادوا إلى مبادئهم القطبية القائمة على وصم المجتمع بالجاهلية وتصنيف الناس ما بين كافر وراضٍ بالكفر وتابع لهم وصامت على كفرهم ، وهم جميعًا في منظور الجماعة الإرهابية شركاء في الخيانة للجماعة ، بل ذهب بعض غلاة هذه الجماعة الإرهابية إلى جواز قتل هؤلاء المخالفين لها دون إنذار أو إعذار أو حتى قبول توبة أو فرصة للاستتابة افتراء على الله ورسوله وعلى كل الشرائع والملل والأعراف والقوانين والدساتير والمواثيق المحلية والدولية.
لقد صار خطر هذه الجماعة الإرهابية عظيمًا ، وشرها مستطيرًا ، ومقاومتها والقضاء على فكرها الظلامي الغاشم واجبًا شرعيًا ووطنيًا ، لأنه داء عضال كالسوس الذي ينخر في جسد الأمة ، وما لم نستأصله وبسرعة وحسم ربما أودى بالجسد كله ، وهذا يتطلب منا أن نكون جادين في القضاء على الفكر الإرهابي والجماعات الإرهابية ، مؤكدين أن التستر على أصحاب الفكر الظلامي التكفيري جريمة لا تغتفر ، وأن كل وطني شريف يجب أن يقوم بدوره في العمل على اقتلاع هذا الفكر الأسود الغاشم من جذوره .